Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

الخميس، 26 مايو 2011

وما يدريك لعله يزكى ( نحو ترشيد التربية الإنتقائية فى مجال الدعوة)


وما يدريك لعله يزكى
( نحو ترشيد التربية الإنتقائية فى مجال الدعوة)

كتبه / أبو بكر القاضي

تقوم كثير من المدارس التربوية فى حقل الدعوة إلى الله على أساس مذهب التربية الإنتقائية وهى تعنى البحث عن الطاقات المحددة والمواهب المميزة والتركيز عليها لإنتاج كوادر صلبة تقوم عليها الدعوة فى كل مكان وهذا لاشك فيه درب مسلوك وأول من سلكه هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فى النظر الثاقب فى تربية أصحابه رضوان الله عليهم وإبراز طاقاتهم ومواهبهم المتميزة لخدمة هذا الدين وإخراج قادة يقودون العالم كله بره وبحره قاصيه ودانيه إلى الله تبارك وتعالى ....
ولكن فى خضم ذلك التركيز والإنتقاء للأفراد قد تقصر النظرات مع متطلبات المراحل المتنوعة فى الدعوات على طاقات معينة أمثال الطاقات التى تهدف للعمل العلمى والتربوى فقط ويتم تهميش مثلا الجانب الحركى والإجتماعى والسياسى والدعوى على الناحية الأخرى أو العكس .. بالعكس .. وتتفاقم المشكلة حين يتم تحقير كل ما لا يخدم تلك الأهداف قصيرة النظر ويتم تهميشها حتى ولو كانت معروفا عرفة الشرع وجوبا عينيا أو كفائيا أو ندبا أو إباحة حتى !!
فى خضم الانتقاء والاختيار على حسب متطلبات لا أقول مسجد ولا منطقة بل حتى متطلبات مدينة بأسرها يظلم الكثيرون أرباب طاقات متفاوتة نعم .. ولكن لا تخلو من خير وحب للخير .. قد لا يستطيع أن يخطب .. قد لا يستطيع أن يغوص فى أعماق الكتب ليأتي بفرائد الفوائد و عجائب الترجيحات فى المسائل العسيرة..
قد لا يستطيع أن يحسن صوته بالقرآن .. وإن كان يحفظه عن ظهر قلب أو حتى لا يحفظه ولكنه حين يتلى عليه القرآن يبكى من خشية الله.. لكنه يستطيع أن ينفق فى سبيل الله القليل أو الكثير لبناء مساجد وإعانة طلاب العلم والخطباء ...
قد لا يستطيع أن يكون لغويا بارعا .. ولكنه يجيد لغة القلوب فى دعوتها الى الله تبارك وتعالى ..
قد يستطيع أن يؤذن .. أن يطهر بيت الله .. أن يسعى على اليتامى والأرامل قد يستطيع إلخ .. ما يدخل تحت الحكمة النبوية الأصيلة ] لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلق أخال بوجه طلق[
لب المشكلة فى الحقيقة أننا لا نفهم قضية تفاوت القدرات والطاقات ولذلك وبشعور أو لا شعور نهمش بعضها عن بعض ونفضل بدون وجه للمفاضلة بينهما فينتج الإهمال والإعراض الذى قد لا ينفعنا ولا ينفع المتربى فضلا أن يضره ويفتنه ويجعله يتساقط مع المتساقطين ..!!
فى ذلك عاتب الرب تبارك وتعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم حين كان يدعو كبراء قريش وهو يريد عزة ومصلحة هذا الدين فى وقت الإستضعاف .. جاءه فى تلك اللحظة الذى يعتصر فيها قلبه صلى الله عليه وسلم من صد هؤلاء الكبراء له ولدعوته وهو الرؤوف الرحيم الحريص الذى كاد يهلك نفسه حزنا عليهم فضلا أنهم وجهاء سيزيدون وزن الدعوة فى أنظار القبائل والعرب ..... جاءه في تلك اللحظة رجل لو نظر أحدنا اليه وهو لا يعلمه لقال لن يستطيع أن يخدم الدعوة بشئ ولكن هيهات .. كم فى الزوايا خبايا وكم فى الناس بقايا.

وسبحان من لا يعلم أقدار خلقه إلا هو تبارك وتعالى ..
جاء الأعمى عبد الله بن أم مكتوم رضى الله عنه يقول له (علمنى مما علمك الله) !..آلآن؟؟ فى ظل ذلك الموقف.......... فلم يرده النبى صلى الله عليه وسلم ولم يعنفه ككلامنا نحن ولكنه فقط عبس بوجهه اقتضب صلى الله عليه وسلم وأزيدك بيانا ألا تنسى أن عبد الله بن أم مكتوم لم ير تلك العبوسة ولم تجرح مشاعره لأنه لم يراها .. ولكن .. الله رآها جل وعز .. فأنزل
    ] عبس وتولى*أن جاءه الأعمى*وما يدريك لعله يزكى*او يذكر فتنفعه الذكرى[
ميزان السماء مختلف تماما عن ميزان الأرض .. ميزان الجاهلية مختلف تماما عن ميزان الإسلام .. فالمرء لا بوزن بجاهه و ولا بصورته لا.بماله ولا بجسمه ولا بعشيرته انما يوزن بقلبه........
 ] إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم [
على قدر ما فى قلبك يكون لك عند الله حتى وإن لم يظهر منك شئ لعجزك عن العمل .. حتى وإن لم تظهرثمرة العمل فكفاك قلبك مؤنة ذلك .
    ] ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله [
وإذا لم تصل فى الظاهر فقد وصلت في الحقيقة عند الله يبذل الجهد وصدق وإخلاص وتجرد القلب ..
نعم عباد الله .. رسالة إلى كل من يتولى تربية أومتابعة لا تحتقر قدرات فرد ولا تهمشها ولا تركن إلى موازين ظاهرة فى المال والحسب والنسب حتى ولو كان  للفضلاء ..
ولا ........ حتى للباقة أو حسن صوت ولا نعنى ألا تستغل الطاقات المتوفرة بالعكس إنما نحن نريد إستغلال القليل فضلا عن الكثير التى تشخص الأبصار إليه ويخطف الإنتباه .. إنما ننبه إلى المدفون المغمور
   ] رب أشعت أعبر لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره [
يخدم دين ربه بقلبه وما تحسنه جوارحه أينما كان حسب ما جاءت به النصوص وحسب إستطاعته وهو فى تلك الإستطاعة التى تراها محدودة هو يسير ويقطع المسافات وقد قال صلى الله عليه وسلم ] سبق درهم مائة ألف درهم [
ألا تتساءلون لماذا ؟؟
لأن الأول له درهمان هذه طاقته فحين يبذل درهم يعنى ذلك أنه سيموت إن بذل الأخر جوعا ...!
أما الثاني فطاقته مئات مئات فأخرج مائة واحدة فالأمر نسبى وكل على قدر طاقته ..
عبد الله بن أم مكتوم خير من ملء الأرض من أبى جهل هذا هو ميزان الإسلام وميزان السماء
ونحن نطبق ذلك على واقعنا ونحن كلنا مسلمون .. ولكن تتفاوت درجات الإيمان وهذا التفاوت لا يعلمه إلا الله ولذلك حرم غمط الناس والسخرية منهم عسى أن يكونوا خيرا منا قد يوجد  العالم العابد في الظاهر وهو يريد ان يقال عنه عالم وفي نفس الوقت  يوجد طالب العلم الخامل .. المخلص وله معراج يعرج فيه قلبه إلى السماء .. وكما قلت هذا التفاوت لا يعلمه إلا الله لذلك علينا بإستيعاب طاقات الصالحين كلها ولا نبخل بجهدنا على إنسان .. أو مكان مهما لبس علينا الشيطان أن هذا الإنسان أو المكان لا رجاء فيه .. لا.. الرجاء فى الله كبير . عليك البذل وهداية البيان وعلى الله هداية التوفيق.
ونحن كما نحتاج للعالم نحتاج للمفكر وكما نحتاج للفقيه نحتاج للمحدث .. والأديب والداعية والمهندس والطبيب وغيره من ارباب المهن والصنائع والعلوم  لبناء حضارة متكاملة الجوانب ذات طابع إسلامى أصيل .( هذا ما نسميه بإختلاف التنوع الواجب فيه التكامل والتعاون مع انضباط ضوابطه ] راجع فقه الخلاف د. ياسر برهامى[
ونحن هنا لا نقول أن النبى صلى الله عليه وسلم حقر عبد الله بن أم مكتوم. صلى الله عليه وسلم ولكنه اجتهد أن دعوة هؤلاء الآن أفضل من تعليم عبد الله بن أم مكتوم الذى وصلته الدعوة أصلا فاقتضب وعبس لذلك ( راجع عتاب الرسول لصلاح الخالدي)
فنحن نستد ل بالأدنى على الاعلى فإن كان عوتب صلى الله عليه وسلم على ذلك وهذا شئ طفيف ولكن فى حق المصطفى خليل الله ثقيل وعاتبه ربه فى ذلك ( راجع عقيدة الإيمان بالرسل فى شأن العصمة من منة الرحمن د . ياسر برهامي)
فما بالك بما يقع منا أحيانا من تحقير وتهميش وانتقاء مع ظلم كثير من حقول المواهب والطاقات وندفنها لأننا ندعى أننا لا نحتاجها .. بل نحتاج كما سبق البيان لإقامة خلافة على منهاج النبوة لسد كل الثغرات وتغطية كل فروض الكفايات ..
ومع ذلك نؤكد أن على كل مسلم حد أدنى فى العلم والعمل والدعوة لاينفك
عنه وجوبه حتى يصلح اعتقاده وعبادته وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ثم بعد ذلك إذا تخصص فى شئ يخدم به دين الله فلا حرج عليه ولا غضاضة حتى وإن كانت غريبة على الطابع السلفى . لأن كل زمان يحتاج إلى تحديات مختلفة مثل الآن فى زماننا تخصصات نحتاجها ولم تكن موجودة قبل ذلك ] الكمبيوتر – الترجمة – هندسة الصوت-التنمية البشرية وغير ذلك [ المهم والخلاصة ألا نبخل بالدعوة ولا بالوقت على من يرجوه منا فما أدرانا لعله يزكى فيخدم دين أي خدمة ولا يخطر على البال كيفية تلك الخدمة .وفعلا أصبح عبد الله بن أم مكتوم أمير المدينة فى كل غزوة يخرج فيها الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه رضوان الله عليهم وكان صلى الله عليه وسلم كلما رآه قال له (مرحبا بالذى عاتبنى فيه ربى ).. وقصة موته عظيمة جليلة أنه فى معركة القادسية قال لهم] إنى رجل أعمى لا أفز فحملونى .رايتكم.... واجعلونى بينكم [فحمل الراية وقتل دونها حتى تظل مرفوعة خفاقة ووجدوه مقتولا وهو مستمسك بها غاية الإستمساك إن شاء الله شهيدا فى سبيل الله

تبارك وتعالى وصدق الله إذ يقول من فوق سبع سماوات ] وما يدريك لعله يزكى [
 فهل نعتبر ؟ والحمد لله رب العالمين
                                                  راجع
                          *منة الرحمن ← عصمة الرســــــــل
                         *عتـاب الرسول فى القرآن ← صلاح الخالدى
                         * فقه الخلاف ← د . ياسر برهامي
                         *مقدمة مقال تأملات فى مسألة الإختيار← د . ياسر برهانى

السبت، 21 مايو 2011

أشواق قلب 2


أشواق قلب 2
نعيم الحياة في الشوق إلى الله


كتبه / أبو بكر القاضي 

بسم الله والصلاة والسلام علي رسول الله صلي الله عليه وسلم
أما بعد
كان أبو عبيده الخواص يمشي في الأسواق ويقول : واشوقاه لمن يراني ولا أراه..سبحانه .. وهذه هي درجة الإحسان في عبادة الله 
"أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك "
وهذا الشعور الذي يغامر القلب بنشوة وسرور يجعل العبد يشتاق للقاء الله تبارك و تعالى و حقيقته الانفعال بهذا الشوق في كل حركة وسكنه واستحضار ذلك وحضور القلب فيه وذلك حسب معرفته وعلمه 
يقول ابن القيم : ( إذا شهدت القلوب من القرآن ملكاً عظيما جواداً جميلاً هذا شأنه ، فكيف لا يكون احب إليها من كل ما سواه ورضاه اثر عندها من رضا كل من سواه؟! وكيف لا تلهج بذكره ، ويصير حبه والشوق إليه والأنس به هو غذاؤها وقوتها ودواؤها بحيث ان فقدت ذلك ، فسدت وهلكت ولم تنتفع بحياتها ).
فاللذة تابعة للمحبة تقوي بقوتها وتضعف بضعفها فكلما كانت الرغبة في المحبوب والشوق إليه اقوي كانت اللذة بالوصول إليه أتم .
والمحبة والشوق تتبعان لمعرفة القلب به والعلم به ، فكلما كان العلم به أتم ، وكانت محبته أكمل .
فإذا رجع كمال النعيم في الآخرة وكمال اللذة إلى العلم والحب ، فمن كان بالله واسمائه وصفاته أعرف  كان له أحب ، وكانت لذته بالوصول إليه ومجاورته والنظر إلى وجهه وسماع كلامه أتم .. وكل لذة ونعيم وسرور وبهجة بالإضافة إلى ذلك كقطرة في بحر .

يا سروري ومنيتي وعمادي
وأنيسي وعدتي ومرادي
أنت روح الفؤاد أنت رجائي
أنت لي مؤنسي وشوقك زادي .

هكذا يتلبس القلب بتلك المنزلة الرفيعة في كل إرادة وعبادة ويستحضر غايته في اعلي النعيم في الآخرة وهو رؤية وجه الله الكريم .
يقول تعالي : " للذين احسنوا الحسني وزيادة " ( سورة يونس 26 )
وانظر إلى هذا الحديث الذي يبين لك أن الشوق ليس حالٌ قلبي فحسب بل انه  حاد للقلب والبدن إلى الله

في الصحيحين عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال " كنا جلوسا مع النبي صلي الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة فقال أنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا لاتضامون في رؤيته ، فان استطعم ان لاتغلبوا علي صلاة قبل طلوع الشمس ، وصلاة قبل غروب الشمس فافعلوا .."
..يا لغربتنا!!.. ما أحوجنا إلى هذا الحديث لنعالج به تخلفنا عن صلاة الفجر وتكاسلنا عن صلاة العصر بل واستحضار هذه النية فيهما فمن منا فعل ذلك ؟؟ نريد أن نعيش الحياة جنة باستحضار ذلك الشوق الذي يهز القلب هزا عنيفا ويحرك البدن في مرضاة الرب .
  • قال عابد في مناجاته " لك هطـلت الاماق ( العيون ) ولك بكت الأحداق وذكرك مشهور في الآفاق ينعم بحبه أهل الإشفاق ، يا من يداوي جراحات أهل الوجد والاحتراق .
وكن لربك ذا حب ومن قلق                   أن المحبين للأحباب خدام
قوم يبيتون من وجد ومن قلق                   ومن محبته في الليل قوام
قد قطعوا الليل دهرا في محبته              ما إن ترونهم بالليل نوام

في صحيح مسلم عن صهيب رضي الله عنه قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :" إذا دخل أهل الجنه يقول الله عز وجل : تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تُبَيِّض وُجُوهَنا ؟ ألم تُدخِلنا الجنه وتُنجنا من النار ؟
قال : فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا احب إليهم من النظر إلى ربهم .. ثم تلا هذه الاية
" للذين احسنوا الحسنى وزيادة " ( سورة يونس 26 )
لمثل هذا فليعمل العاملون .. لمثل هذا فليقم بالدياجى والليل القائمون .. لمثل هذا فليصم النهار الصائمون لمثل هذا فليستغفر بالأسحار المستغفرون .
لمثل هذا فليتل القران التالون المشتاقون والله إن هذا لهو الفوز العظيم  ويستمر هذا الشوق يخالط ويغامر قلبه حتى يخلتط بشحمه ولحمه ..
يقول ابن القيم : عن هؤلاء القوم المشتاقين إلى ربهم
" إذا صعد النفس صعدوه إلى محبوبهم صاعدا إليه متلبسا بمحبته والشوق إليه فإذا أرادو دفعه دفعوا معه نفسا آخر فكل أنفاسهم بالله والي الله إلا إذا غلبتهم النوم وكثير منهم من يري في نومه : انه كذلك لالتباس روحه وقلبه فيحفظ عليه أوقات نومه ويقظته ولاتستكر هذه الحال ..فان المحبة إذا غلبت علي القلب وملكته أوجبت له ذلك لا محالة " ( مدارج السالكين )
فهذا أول علامة للمشتاق دوام أمواج الحب المتلاطمة في قلبه وانفعاله لذلك في عباداته وأراداته وسلوكياته وتبقي علامة أخرى .. وأخيرة.. مسك الختام ودرة الكلام نؤجلها للحلقة القادمة ..

أقول  قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم 

الخميس، 5 مايو 2011

لنعش جمالية المرحلية

لنعش جمالية المرحلية




كتبه / أبو بكر القاضي

من فقه السير إلى الله أن يعىَ السائر أن الطريق درجات ومدارج فى الإيمان والعرفان بالرحمن تبارك وتعالى وأنه منازل ومقامات ينتقل العبد من عُلوه إلى أعلى وأرفع.. وإن توقف عن السير فإنه ينتقل إلى سفل وأسفل ولا توقف ولا سكون بل هى الحركة الدائمة إما إلى الأمام أو الوراء { لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ }  
(37) سورة المدثر

فالإيمان يزيد وينقص يزيد بالطاعات والقربات وينقص بالمعاصى والمخالفات، وهكذا أيها السائر ينبغى أن تعلم أنه عليك أن ترتقى فى كل يوم درجة ولا يستوى يومك وأمسك قال أبوسليمان الدارنى للجنيد ( إذا استوى يومك وأمسك فأنت فى نقصان ) فما بالك اذا نقص يومك عن أمسك كيف يكون الخسران ، قال تعالى { وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ،إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } سورة العصر.

فكل يوم معاملة جديدة ومذاق إيمانى رغيد وحلاوة وأشواق وأحوال راقية مع الله تبارك وتعالى فالعمر واحد لن يتكرر وإنما سمى عمراًليعمر بذكر الله والحياة معه وقضاء الأوقات واللحظات فى قربه وولايته والخضوع بين يديه، فهكذا تكون الحياة...

مدارج الآيات فى القرآن ومدارج المنازل الربانية فى سنة النبى العدنان صلى الله عليه وسلم
- كل آية وحديث زيادة فى الإيمان بما هو قول وعمل بما فيهما من قلب ولسان وجوارح صناعة آلهية لذلك الإنسان و في كل ذلك أنس بالله مع مجاهدة النفس للصبر على حكمه الكونى والشرعى لاستكمال مراتب خالص العبودية { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } 
(48) سورة الطور.

ما أجمل التدرج وما أجمل تلك الربانية التى تأخذ بالصغار قبل الكبار، تبدأ بُمنزلة منزلة ما أحلى منزلة الحب بعد منزلة التوبة أو معها، وما أجمل منزلة الرسوخ بعد منزلة الكد فى طلب العلم وما أروع منزل البلاغ المبين بعد تلقى الوحى من الله الكريم تبارك وتعالى.

لا نحتاج ونحن الآن أمام هذا الجمال نطالعه ونكشف أسراره إلى الترهيب من القفز على المراحل والتشبع بما لم يعِط الإنسان كما صح ذلك 
عن النبى صلى الله عليه وسلم (المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبى زور)

وقيل من تعجل شيئاً قبل أوانه عُوقب بحرمانه كثير من الناس  يريد أن يكون العلامة والفهامة والولى  والشيخ الآن بدون تدرج ولامرحلية، تغلبه نفسه الأمارة بالسوء على إرادة العلو حتى إن لم يرد فساداً ولا تصفو له الدار الآخرة إلا بالتخلى عن تلكما الإرادتين { تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } (83) سورة القصص.
قال يحيى بن معاذ ( لا يفلح من شمت منه رائحة الرياسة )

تريد الدنيا أن تسرق منه جمال المرحلة التى يعيشها، مرحلة الابتداء أو التوسط ... ما أجمل أن تعيش مرحلتك ان كنت جندياً أو كنت قائداَ ولا تكون قائداً حتى تكون جندياً.

ليس النجاح والفلاح فى القفز على المراحل ولكن الفلاح والنجاح فى عيش المراحل والتزود من أنوارها لاستكمال الطريق ... الروعة أن تكون قائداً فى كل مرحلة أنت فيها
 ( إن كان فى الساقة كان فى الساقة وإن كان فى الحراسة كان فى الحراسة ) كما قال الرسول طوبى لهذاالعبد...!

لا تلتقت إلى الأضواء وتجرى وراءها وتلهث فهذه أعمال دنيء الهمة ولكن كن عظيماً ... بطلاً.. فارساً ... فتلتفت لك الأضواء ... ولا أخفيك سراً فى هذه المرحلة المتقدمة لن تشعر بالأضواء والشهرة حتى ... ولن تفكر فيها أصلاً بل سيكون همك هو مرضاة ربك ومراقبته والعمل من أجل رضاه، ولن تنظر إلى الألقاب والمدح والثناء .. لن تعيرها اهتماما .. ستجر الأضواء أذيال الخيبة لأنها لم تنل من قلبك الكبير- الذى وسع ملكوت السموات والأرض وتدفقت فيه شلالات الهدى والنور والوحى وطيبته و رققته وأصلحته فأصبح سليماً مطيعاً لرب رحيم ودود تبارك وتعالى- بأدنى نظرة و هنالك ستشعر بجمال الصلة بالله والأنس حتى ولو لم يشعرأحد بمكانك.     

** قال أيوب السختيانى ( والله ما صدق الله عبد إلا  سره ألا يٌشعر بمكانه...)
- ولن تشعر أخى بجمال التمكن من المراحل الراقية والمدارج السامية
- إلا إذا عانيت التدرج والارتقاء
- وهذا هو طريق الربانية فى العلم والعمل والدعوة

قال ابن عباس  الربانى من يأخذ صغار العلم قبل كباره، لن تستطيع أن تعى وتفهم المغني  في الفقه إلا بعد العدة والمنار ... لن تجيد الفتاوى إلا بعد الأصول الثلاثة والفتح والمعارج .. لن يجدر بك أن تتغنى بقراءات القرآن إلا بعد ختمة القراءة واحدة أولاً ... وهكذا فى بقية العلوم والفهم فضلاً عن الفقه والاجتهاد والفهم عن الله والاستقراء الذى يحتاج لطول مجاورة ومكث على العلم وعمر مبذول.
- قال ابن مسعود : ( كونوا ينابيع العلم مصابيح الهدى أجلاس البيوت سرج الليل جدد القلوب خلقان الثياب تعرفون أهل السماء وتخفون فى أهل الأرض ).

- أخى لن تنال العلم إلا بستة                سأمضيهــا لك بحســن بيـان
- ذكاء وحرص وغربـــة             وافتقار وتلقين أستاذ وطول زمـان  

لست بصدد شرح البيتين للحجة العلامة الإمام الشافعى ولكن الشاهد (وطول زمان) الصبر.... الصبر.... به يرتفع القدر { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } (24) سورة السجدة، وبالصبر ارتفع الزيت على الماء لأنه صبر على الطحن والعصر بالصبر ترتفع القدر فلا داعي للتشنج في المذاكرة والحفظ و كأنك ستحصل العلم كله مرة واحدة فكما سيأتي سريعا سيذهب سريعا ولكن نحتاج الى علو همة وجدية في الطلب مع رزانة في الفهم والتحصيل ..( سئل ابن سيرين كيف حصلت العلم؟ قال:مسألة وراء مسألة عبر الليالي و السنين).وهكذا في خبرات العمل والدعوة...

ما أجمل أخى أن نصبر ونصابر ونرابط فى سفرنا إلى الله وسيرنا إليه حتى نشتاق ونشتاق فإذا فزنا بالوصول بعد الكدَ نذوق طعم الجزاء فيقول الله تعالى { كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ  } (24) سورة الحاقة.

لابد من جهد واجتهاد وصدق وقد يسبق الإنسان ولا نحجر على أحد ولكن تبقى السنن الكونية والشرعية لابد من اعتبارها والسير فى رحاب فهمها وفقهها وعدم مصادمتها حتى نبقى على جمال المنازل وجمال المرحلة التى نحياها لله ونأنس فيها به ونخلص فيها له، ولا ننجرف مع الأضواء وحب الظهور وشهوة العلو على الأقران حتى ولو تفاوتت القدرات والطاعات .... فابذلوا كل طاقاتكم فى مواضعها ... واخلص قلبك لله تبارك وتعالى ولا تضيع اللحظات وليكن شعارك أن تعيش اللحظة فى طاعة الله فأنت لا تستطيع أن تسبح في نهر الحياة مرتين..
ولتكن إذاً سباحة على بصيرة وصبر 
مع مسابقة إلى الخيرات فى إطار مرحلتك ومنزلتك 
وما أسرع اللحاق لمن فهم معنى السباق.

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Blogger Templates | تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة