Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

ملف رمضان المتجدد

بذر الحب و الريحان في الإستعداد لرمضان


بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

هذه عشر بذور تزرع فى أرض القلب لتستوى شجرة الإيمان على سوقها فيكون أصلها ثابت وفرعها فى السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها . فهى لصلاح قلبك فى رمضان وغير رمضان بل تصلح بها دنياك وأخراكوهى فى حقيقة الامر طريقك إلى ولاية الله تبارك وتعالى ونوال الربانية .... ولكن هذا نصف الطريق قال الفضيل إبن عياض } إذا عملت بها علمت تدعى فى ملكوت السماء ربانيا { فهذا العلم بقى عملك وإجتهادك فى تلك العشر وكما قال على رضى الله عنه } العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا إرتحل { والان نترك العنان وننطلق فى ميدان هذه البذور العشر .
والآن مع البذرة الأولى :

***********************************************************

1- الإستقامة 

وهى لفظ جميل يشمل الدين كله مبثوث فى الكتاب والسن وأقرب المسافات إلى نقطة الخط المستقيم وعلى هذا فاقرب الطرق إلى الجنة الصراط المستقيم ولذلك تدعو فى كل صلاة
} إهدنا الصراط المستقيم { " الفاتحة 6" والله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالإستقامة فقال تعالى } فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا{ " هود 112" , وقال تعالى } إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألاتخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التى كنتم توعدون { "فصلت30" , وقال تعالى } إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون { "الأحقاف 13" وعن أبى عمرو , وقيل أبى عمرة سفيان بن عبد الله رضى الله عنه قال : } قلت يا رسول الله ! قل لى فى الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك , قال : قل آمنت بالله ثم استقم { رواه مسلم
والاستقامة هى مراعاة الأمر والنهى فى كل وقت وحال وهذا الأمر منه الواجب والمستحب والنهى ومنه الحرام والمكروه .. فإذا راعى العبد ذلك فى أقواله وأفعاله فى كل وقت وحين بسمى بذلك مستقيما
وقد عرف الاستقامة كل من :
·       أبى بكر الصديق رضى الله عنه فقال} ألا تشرك شيئا ... فأراد أنها التوحيد {
·       عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال} أن تستقيم على الأمر والنهى ولا تروغ روغان الثعالب{
·       قال عثمان ابن عفان رضى الله عنه } استقاموا .. أخلصوا العمل لله {
·       قال على ابن أبى طالب وابن عباس رضى الله عنهما } استقاموا .. أدوا الفرائض{

·       وعرفها شيخ الإسلام ابن تيمية أنها الاستقامة على محبته تبارك وتعالى .
وكل هذه المعانى متلازمة يكمل بعضها بعضا ولكن يوجد معنى مهم فى الاستقامة ينبغى التنبيه له أن الاستقامة معنى يلتئم من الطاعة والثبات عليها.
ولذلك ينبغى أن تكون بداية طريقك إلى الله الاستقامة بذلك المعنى .. فكما قال النبى صلى الله عليه وسلم :
} أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل {
وبذلك تكون ربانيا لا رجبيا ولا شعبانيا ولا رمضانياتستقيم على أمر الله ونهيه متى تعلمه ..


وهاتيك أمثلة شامخة وجبال رواسى فى سماء الاستقامة :
·       الربيع بن الخثيم – أحد كبار التابعين ومن تلامذة عبد الله بن مسعود رضى الله عنه – ظل عشرين سنة لا يتكلم إلا بكلمة تصعد .
·       قال أبو إسحاق السبيعى } لما احتضر أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب , قال لاتبكوا على فإنى لم أتنظف بحطيئة منذ أسلمت {
ولقد أبان الله تبارك وتعالى أن الاستقامة علتين فى قوله تبارك } فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا {"هود112"
فإما الأولى وهى التوبة من الذنوب فسوف نبسط عنها الكلام فيما يأتى , وأما الثانية فهى الطغيان أى مجاوزة الحد أى لا نتجاوز حدود هذه الاستقامة بأن تكلف نفسك فوق ما تستطيع وفوق ما كلفك الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فتشاد الدين فيغلبك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
} اكلفوا من العمل ما تطيقون واعلموا أن الله لا يمل حتى تملوا{
} إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولا يشاد الدين أحد إلا غلبه {
ومن مجاوزة الحد أيضا الابتداع فى الدين أو عبادة الله بالبدع المحدثات فلا بد لكى يكون حسنا صالحا أن يكون خالصا صوابا على وفق السنة .. كما فسر بذلك العمل الصالح الفضيل بن عياض رحمه الله تبارك وتعالى . كما قال النبى صلى الله عليه وسلم } كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد {
ولكن الاستقامة منزلة عظيمة تحتاج إلى وسائل تعين عليها .. هذا ما ستناوله فى البذور القادمة فهى عوامل تحقيق الإستقامة .

*********************************************************

2- المراقبة 

هى دوام شهود العبد أنه واقف بين يدى الرب تبارك وتعالى ... وكأنها .. هى مرتبة الإحسان
} أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك { كما نص على ذلك النبى صلى الله عليه وسلم فى حديث جبريل عليه السلام فى الصحيحين . وتأمل هذه الآيات , قال الله عز وجل

}الذى يراك حين تقوم وتقلبك فى الساجدين إنه هو السميع العليم { "الشعراء218-219-220"
} فاصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم{ " الطور 49"
هذه الآيات التى تحثك على مراقبة المولى تهون عليك مشقة الاستقامة وكل التماليف الشرعية أن تعلم أن من تطيعه يراك ومطلع على سرك وجهرك فيخفف عليك ما تجد من مجاهدات لنفسك الأمارة بالسوء والشيطان والدنيا وفتنتها ومغرياتها فتتقن العمل وتحسنه .. وأيضا حين تسمع قول الله تبارك وتعالى .
} ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد{" ق16"                                                                    
} ألم يعلم أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب { " التوبة 78"
فيتولد فى قلبه الخوف من الله والحياء من أن يتجرأ على المعاصى و المخالفات حتى ولو الخواطر والكلمات .. ( وهذا اقرب طريق للإستقامة حراسة الخواطر كما نص ابن القيم على هذا فى طريق الهجرتين ).
وانظر إلى ذلك الحديث الذى يبين لك خطورة المراقبة .
عن أبى عامر الألمانى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال } ليأتيين أقوام من أمتى كأمثال جبال تهامه بيضاء من الحسنات يجعلها الله هباء منثورا !! قال ثوبان صفهم لنا يا رسول الله نخشى أن نكون منهم قال : هم منكم يصلون كما تصلون ويأخذون من الليل كما تأخذون , ولكنهم إذا خلوا محارم الله انتهكوها {

أين الصيام والصلاة وقيام الليل هيههات فالمرض فى القلب ..

هان الله فى قلوبكم فهانت حسناتهم على الله


فالمراقبة .. تجعلك تتوجس خفية أن يراك حيث نهاك أو يفتقدك حيث أمرك فيتحقق الحياء منه تبارك وتعالى :

كما قال صلى الله عليه وسلم } استحيوا من الله حق الحياء " قالوا إنا لنستحى يا رسول الله , قال ليس ذاك ولكن من استحى من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى وليتذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا {
وهذه المراقبة للخواطر والهواجس والأقوال والفعال تنقله ولابد إلى البذرة الثالثة وهى...

*********************************************************

3- المحاسبة والتوبة 

} ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد { " الحشر 18"
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها , وتمنى على الله { وقوله دان نفسه أى حاسبها . قال عمر بن الخطاب
 } حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتزينوا للعرض الأكبر يوم تعرضون لا تخفى منكم خافية {
ينبغى للإنسان أن يحاسب نفسه على كل فعل وقول لأنه إن تركها على هواها فإنها تودى به
( تهلكه ) ولابد فهى أمارة بالسوء ..
وليست المحاسبة هى أن تأتى بورقة وتصحح أو تعلم فيها هل أديت الفرض أم لا .. ليست بهذه السطحية ولكن .. أن تنظر إلى نعمة الله عليك وجنايتك وأخطاءك ومعاصيك وأن ترى ما لله عليك وما لك عليه .. وهل وفيت بحقوقه فى مقابلة أفضاله وأياديه .. فحينها نفهم قول النبى صلى الله عليه وسلم } أفلا أكون عبدا شكورا {
ونفهم أهمية وتحتم التوبة عليك فى كل وقت وحين فقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم
} فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا { "النصر 3"
            } لقد تاب الله على النبى والمهاجرين والأنصار {" التوبة 117"
    وقال عز وجل } وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون { "النور31"
وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يستغفر فى اليوم أكثر من 70 مرة . ويعد له الصحابى فى المجلس الواحد أكثر من مائة مرة } رب اغفر وتب على إنك أنت التواب الغفور { فانكسر وتب .. فنريد رمضان هذا العام بلا ذنوب حتى نتخلص من تلك الذنوب المثقلات لك حتى يصح لك التعرض لنفحات الله تبارك وتعالى . فإذا صحت التوبة بشروطها الست :
·  الإقلاع عن المعصية
· الندم على ما فات .
· العزم على عدم العودة .
· ورد المظالم إلى أصحابها.
· الإيمان بأن الله كان يراه حال الذنب .
· العمل الصالح.

كما قال تعالى }إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما { " الفرقان 70"
طابت الأرض من كل خبث وآفات واستعدت للتحلية ببذور الخير والرشد ...

***************************************************

4- المحـبــة

وهى أعلى المنازل وأقربها للوصول .. الحب – مركب لا يضل راكبه – راكب مركب الحب واغمض عينيك ستصل.
}يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه{"المائدة 54"
} والذين أمنوا أشد حبا لله { " البقرة 165"
والحب هو سفر القلب إلى المحبوب والدخول تحت رقه وعبوديته والاستنكاف أن يصرف شيئا من ذلك إلى غيره ..
إذا استحضرت و تأملت وتدبرت أسماء الله الحسنى وصفاته العلى أنه هو الودود الرؤوف الرحيم وآلائه ونعمه المتتالية على تقصيرك واعترفت بذلك وعفوه عنك بتوبتك وتقبلها منك , لا تملك قلبك إلا أن يحبه .. ولذلك قال الحسن البصرى :}التائب حبيب الرحمن {
ومن الأسباب التى عدها ابن القيم جالبة للمحبة :
الكسرة التى يجدها التائب فى قلبه .. لا يماثلها شئ وليس منها شئ إل مثل الألفاظ والعبارات .. ( أى أنها لا يستقيم لك معناها إلا إذا أحسستها وشعرت بها ).
إذا تمكنت محبة الله فى قلبك .. بدوام ذكره والنظر فى كتابه .. ودوام الطاعات .. لفتح على قلبك حلاوة الطاعات من صلاة وصيام وقراءة قرآن وذكر وصدقات .. وخالطت بشاشة اليقين قلبك وليس الشأن أن تحب ولكن الشأن أن تحب وعليك بهذه الآية قال الله تعالى }قل إن كنت تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله { "آل عمران31"
وهذا الحديث القدسى الصحيح :
} ولا يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإن أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها ورجله التى يمشى بها ولئن سألنى لأعطينه ولئن أستعان بى لأعيننه { فشعر بحلاوة القرب وطلاوة التوفيق .. فاستغنى بها عن الخلق .. وهذا هو سر البذرة الآتية.

***************************************************

5-الجدية والتدرج

الجدية : معنى يلتئم من الصدق والإخلاص وهو أن يصدق القلب بجمع شتاته لهدف واحد يرنو إليه ويأخذ بكل الأسباب ليصل إلى ذلك الهدف .
ولذلك قال الهروى فى علامته :} أن لا يتحمل داعية تدعو إلى نقض عهد , ولا يبصر على صحبة ضد , ولا يقعد مجال عن الجد {
فلا يتحمل أى سبب يدعوه إلى نقض عهده مع الله بوجه من الوجوه .. ولا يصبر على مصاحبة البطالين .. ولا يقعد عن العمل والجدية فيه فأمره كله جد .
تضيق بنا الدنيا إذا غبتم عنا ***   وتزهق بالأشواق أرواحنا منا
بعادكم موت وقربكم حيـــا    ***     ولو غبتم عنا ولو نفسا متنا
نعيش بذكراكم ونحيا بقربكم   ***    ألا إن تذكار الأحبة ينعشنا
يعلم قوله تعالى : }إنه لقول فصل و ما هو بالهزل { " الطارق13-14"
فالجدية استولت على حياته لأنه يعمل لسلعة غالية .. كما قال النبى صلى الله عليه وسلم } ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة {
والإخلاص .. يجعله لا يلتفت إلى مغريات الدنيا وأعراضها الزائلة ولا يراءى ولا يسمع بعمله ولا يرجو العاجلة بل يعمل للآجلة .
فالصدق يشعل عزيمته.. والإخلاص يوجهها إلى المطلوب ألا وهو رضا الله تبارك وتعالى ..
أما التدرج : فلا يكون فى فعل الواجبات أو فى ترك المخالفات .. ولكنه يكون فى النوافل من فعل مستحبات وترك مكروهات ..
وللاستعداد لرمضان هذا لا يحتمل التأجيل فلتبدأ من لحظتك هذه العمل من أعمال تتقرب إلى الله تبارك وتعالى
 من  قراءة قرآن : فتبدأ بحزب ثم إذا رسخت فيه .. فيزداد إلى جزء إلى اثنين وثلاثة وخمسة أجزاء حتى إذا دخل عليك رمضان لا تستبعد أن تختم أربع مرات على الأقل .
وصلاة الليل : ينبغى أن يكون لك نصيب منها ثابت طول العام ولكن ينبغى أن يزداد هذا الورد حتى إذا دخل عليك رمضان وليالى العشر الأواخر تكون قد استعددت .. ابدأ الآن ولو بثلاثة ركعات وزد .. فى عدد الركعات وفى مقدار القراءة والركوع والسجود .. اصبر نفسك ولا تصعد السلم مرة واحدة ولكن تدرج ليكون لك قدم صدق فى تلك العبادات والأوراد .
وفى شعبان الذى ترفع فيه الأعمال إلى الله : كان النبى صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان كله ..كان يصوم شعبان إلا قليلا كما قالت عائشة رضى الله عنها .
 هل انتهينا ؟......................لا !! بل لا تنس الذكر فإنه أزكى الأعمال كما قال النبى صلى الله عليه وسلم :
} ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وخير من إنفاق الذهب والورق وخير من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقكم ويضربوا أعناقكم ؟ " قالوا: بلى يا رسول الله قال : " ذكر الله{
فلا تستقل بالذكر فإن الله رفع شأنه وعظمه فى كتابه } والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا كريما{"الأحزاب 35"
}فاذكرونى أذكركم واشكروا لى ولا تكفرون { " البقرة 152"
فتدرج بالأذكار الموظفة ثم المطلقة وأكثر من ذكر الله تبارك وتعالى فإن ذلك يرطب ويلين القلوب القاسية .. وأكثر من الاستغفار ..
·       قال النبى صلى الله عليه وسلم }من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا {
·       وقال النبى صلى الله عليه وسلم }من قال استغفر الله الذى لا إله إلا هو الحى القيوم وأتوب إليه غفر له ولو كان فر من الزحف {.
·       وقالت عائشة رضى الله عنها :}طوبى لمن وجد فى صحيفته استغفارا كثيرا {.
فعليك بالجدية والتدرج تصل ولا تكن سبهللا كما قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه ضع هدفك أمامك وتصبر تصل إلى الله..

******************************************************

6- التبتل والتوكل 

6- التبتل والتوكل :
والتبتل : هو الانقطاع إلى الله بالكلية ولا أعنى بالتبتل أن تدخل مسجدا وتقفل عليك بابه وإن كان سيأتى من مقصودنا الثانى من هذا العنصر للإستعداد لإعتكاف العشر الأواخر.
ولكن مقصودى الأول من هذا العنصر هو انقطاع همة القلب إل الله والدار الآخرة ..
سئل أحد السلف :
متى يجد العبد حلاوة الأنس ؟ قال : حين يصفو الود وتخلص المعاملة .
قيل متى يصفو الود ؟ قال : حين يكون الهم هما واحدا .
قيل ومتى تخلص المعاملة ؟ قال : حين يكون الهم فى طاعة .
ولذلك أقرب طريق لتحصيل حلاوة الإيمان من صيام وصلاة وذكر فى أى وقت ولا سيما فى شهر الخير هو تخليص القلب من الشواغل والملهيات وأن تكون همته الآخرة .
فملاك ذلك فى جمع القلب والهم والسر على الله وهو الذى يفسره ابن القيم ( هو عكوف القلب بكليته على الله عز وجل , ولا يلفت عنه يمنة ولا يسرة , فإذا ذاقت الهمة طعم هذا الجمع اتصل اشتياق صاحبها وتأججت نيران المحبة والطلب فى قلبه .)
ثم يقول : ( فلله همة نفس قطعت جميع الأكوان وسارت فما ألقت عصا السير إلا يدى الرحمن تبارك وتعالى فسجدت بين يديه سجدة الشكر على الوصول إليه فلم نزل ساجدة حتى قيل لها:
}يا أيتها النفس المطمئنة إرجعى إلى ربك راضية مرضية فادخلى فى عبادى وادخلى جنتى {" الفجر 27-28-29-30"
وهذا ما نقصد من التبتل أى الانقطاع إلى الله أن يكون قلبك ساجدا تحت العرش وأنت بجسدك على الأرض .. سئل أحد السلف هل يسجد القلب ؟
قال : إى والله سجدة لا يرفع رأسه منها إلى يوم القيامة .
وهذا مقام لا تكاد النفوس تصل إليه إلا بالاستعانة والتوكل على الحى الذى لا يموت .. وهذا ما نعنى باقتران التوكل بالتبتل ..
·       قال تعالى : }إياك نعبد وإياك نستعين {" الفاتحة 5"
·       وقال عز وجل }ولله غيب السموات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده توكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون  {( 123 هود )
·       وقال تبارك وتعالى }واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا * رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا { المزمل (8-9)
والتوكل هو اعتماد القلب على الله مع البراءة من الاعتقاد فى السبب مع الأخذ بالأسباب ..
فاجتهد ولا تستطل الطريق وأبشر .. فمن أدمن طرق الباب فتح له ..!
·       وقال النبى صلى الله عليه وسلم }من أصبح والآخرة همه جعل الله غناه فى قلبه وأتته الدنيا وهى راغمة ومن أصبح و الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما قد قدر له {..
فلا تخف من أن تضيع وأنت تجتهد فى مرضات الله فإن الله هو الرزاق ذو القوة المتين .
·       وهو القائل تبارك وتعالى : } وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين {
"الذاريات 56-57-58"وهو القائل تبارك وتعالى :}أليس الله بكاف عبده{"الزمر36"
بلى يا ربنا ولذلك أبدا لا نبتعد عن الطاعة من أجل الدنيا .. ولا تفوت منك أيام الخير والطاعة .. فقد تمضى وتعود وأنت است بموجود على وجه هذه البسيطة فتكون قد خسرت كثيرا .
فلا تضيع منك أيام الاعتكاف .. واستعد لها بتعود العزلة والانفراد ما أمكن .. فكما قال بعض الحكماء : من علامات الإفلاس الاستئناس بالناس ..
لا تصاحب البطالين وانتق صحبة تعينك على الخير وإن لم تجد فلتكت الوحدة جليسك والاستئناس بالله أنيسك .
ولا تتخذ بالسير رفقة قاعد *** ودعه فإن الشوق يكفيك حاملا

****************************************************************************

7- الانفة من المعاصى والغيرة لله تبارك وتعالى

يقول الله تبارك وتعالى :
}قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغى بغير الحق{
ويقول الله تبراك وتعالى :
}قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون {
يقول العلماء إن المعاصى والمخالفات والفواحش قبيحة فى نفسها وبنهى الله عنها زيدت قبحا على قبح .
فإن العبد إذا ذاق قلبه حلاوة وذلها وإهانتها فإن العاصى مهان من قبل الله تبارك وتعالى .
}ومن يهن الله فما له من مكرم{
قال الحسن البصرى :}هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم{
فالعاصى هو المهان إذا عصى الله والخاسر إذا خالفه فهو الغنى تبارك وتعالى
}إن تكفروا فإن الله غنى عنكم ولا يرضى لعباده الكفر {" الزمر 7"
فالعبد ذو المروءة يأنف أن يقع فى شراك الذنب وأسره وذله .
كما قال الحسن البصرى عن العصاه :
} وهم إن طرطقت بهم البغال أو هملجت بهم البراذين فإن ذل المعصية لا يفارق أعناقهم أبى الله إلا أن يذل من عصاه {
فيأنف بعد أن أعزه الله بالطاعة والتوبة والإنابة إليه أن يستبدل الذى هو أدنى بالذى هو خير .. ويخاف على قلبه أن يشغله غيره تبارك وتعالى وعلى وقته أن ينشغل بسواه جل فى علاه ولأجل حبه لله يغار على حدوده إذا انتهكت ولمحارمه إذا اجترئ عليها
وهذه الغيرة هى حرارة القلب التى هى مقياس حياته وبها تسعى الجوارح بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .. والأزمنة الفاضلة ومنها رمضان هى أيضا أزمنة الدعوة كما هى أزمنة العبادة .
..... قبل أن نليقى بهذه البذرة فى أرض القلب نريد أن نزيد معنى الغيرة على الوقت خصوبة .. و ذلك بأن تعلم أهمية الوقت وأنه هو الحياة وهو العمر .
فأنفاسك هى رأس مالك فهى غالية ثمينة ولا سيما فى شهر رمضان
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :}نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ{
·       وقد قيل من علامة المقت , إضاعة الوقت  .
·       وكان أبو الحسن البصرى إذا قيل له قف أكلمك قال : ( أوقف الشمس)
·       وكان داود الطائى يستف الفتيت ويقول : بين سف الفتيت وأكل الخبز قراءة 50 آية
·       وقال ابن الجوزى : واعلم ان الزمان أشرف من أن يضيع منه لحظة , فإن فى الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
}من قال سبحان الله العظيم وبحمده , غرست له نخلة فى الجنة {
فكم يضيع الآدمى من سعات يفوته فيها الثواب الجزيل ؟ والذى يعين على اغتنلم الزمان : الانفراد والعزلة مهما أمكن , والاختصار على السلام أو حاجة مهمة لمن يلقى , وقلة الأكل , فإن كثرته سبب النوم الطويل وضياع الليل , ومن نظر فى سير السلف وآمن بالجزاء بان له ما ذكرته.

****************************************************************







8- الافتقار

الافتقار فى الحقيقة هو لب العبودية وركنها الثانى الركين , فالعبودية كمال المحبة مع كمال الذل وقد تكلمنا فى البند الرابع عن الركن الأول والآن نتكلم عن الركن الثانى .
اخضع وذل لمن تحب     ***       فليس فى عرف الهوى أنف يشال ويعقد

إذا أردت أن تدخل على الله لن تجد بابا أوسع من الافتقار والذل والانكسار بين يديه والتواضع لخلقه .
وذلك تحصله حين تعلم عظمته تبارك وتعالى وذلك وفقرك إليه .. فحين تعترف بذلك يأخذ بقلبك ويدك إليه أخذ الكرام إليه .
فالعبد بعدما تخلص من أسر الشهوات وذل المعاصى بل وحصل الأنفة من ذلك .. كما شيخ الإسلام ابن تيمية ( المأسور من أسره هواه والمحبوس من حبس قلبه عن الله ).
فحين ينطلق القلب فى بساتين العبودية من حب الله وذل له .. وهذا الذل له لذة تخالط شغاف القلب . قال تعالى :}واسجد وأقترب{" العلق19" .... كلما ازددت ذلا له كلما اقتربت منه تبراك وتعالى .. وكلما تواضعت فى نفسك لخلقه رفعك كما قال النبى صلى الله عليه وسلم
}من تواضع لله رفعه { ولنتأمل أن من أعظم مظاهر الذل الدعاء ولذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم }الدعاء هو العبادة{
وقال تعالى :
}وقال ربكم ادعونى استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين {
"غافر 60"
}إن تستغيثون ربكم فاستجاب لكم {" الأنفال 9"
والدعاء من أكثر العبادات التى تظهر فيها معانى الذل لله وهى تظهر بوضوح فى شهر رمضان ولذلك ينبغى أن تعود نفسك عليها .. والدعاء ليس مجرد لسان وإنما انفعال قلب ...كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول }إنى لا أحمل هم الإجابة ولكنى أحمل هم الدعاء{ , أى حقوقه وما يقتضيه من وجل القلب ورقته ويقينه بالإجابة .. فأنت إذا حصلت هذا كان أحرى بالإجابة .
والمقصود أن الدعاء تحتاج إليه فى كل أمورك لا سيما أمور الآخرة هذا من زكاة نفس والتخلص من آفاتها وأصار الشياطين فأنت بالله ليس بنفسك .. فإذا وكلك الله إلى نفسك يكلك إلى ضعف وعورة وذنب وخطيئة . وأعظم ما فى الدعاء الذل لله تبارك وتعالى.

*******************************************************************
                           9- حسن الخلق 



تأمل هذه الآيات بعينى قلبك :
}وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين * الذين ينفقون فى السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين {
( آل عمران 133و134)
هذه الآيات توضح لك صفات المتقين وهو المنفقون وليس هذا الإنفاق هو المالل فقط بل هو البذرة عموما من بذل وقت وجهد وخلق أيضا بدليل بقية الصفات .. فخلقه وحسن شمائله يسع الناس و أذاهم فيكظم غيظه و لا يمضيه حتى وإن كان قادرا .. ويعفو عن الناس بترك حقه مع القدرة و ترك العتاب واللوم والتوبيخ .. بل ويرد بالحسنة السيئة .
انظر إلى هذه الأحاديث ...
·       قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن البر }البر حسن الخلق{. رواه مسلم
·       وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم }إن من خياركم أحسنكم أخلاقا{ متفق عليه.
·       }ما من شئ أثقل فى ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق , وإن الله ليبغض الفاحش البذئ{ رواه الترمذى وقال حديث حسن صحيح .
·       وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال :} سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ قال : }تقوى الله وحسن الخلق {
·       عن عائشة رضى الله عنها قالت }سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول }إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم {.
لماذا كل ذلك الفضل لحسن الخلق حتى إنه ليبلغ الصيام والقيام .. وهذا والله أعلم لمعنيين :
معنى أن حسن الخلق لا يداينه الناس يوم القيامة ولا يكون حاله حال المفلس .. }الذى يأتى و حسناته طرح عليه من سيئاتهم فطرح فى النار { كما صح بذلك الحديث.
المجاهدة التى يجاهدها الإنسان نفسه فى سبيل تحسين خلقه }والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا و إن الله لمع المحسنين {" العنكبوت 69"
وكما ذكرنا سر حسن الخلق وطريقه الأقرب الاستغناء بالله .. فإن الصائم حين يعلم أجره عند الله إذا كمل صيامه .. هان عليه الخلق وأذاهم وحقق ما قاله النبى صلى الله عليه وسلم } فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إنى صائم {
فمعانى الصبر والحب تغنيه عن المقابلة بالمثل لأنه يبتغى الأجر والثواب من الله تبارك وتعالى . فتخيل معنى قصر منيف واسع وضعت فيه بعض القاذورات هل ستشغل...؟ الفرق واضح .. فالأولى من صدره منشرحا بالإيمان وقلبه سليم والثانى من صدره ضيقا حرجا بالمعاصى و المخالفات والغل و الدغل .

**********************************************************************

10- الشكر موجب الثبات والزيادة 

الثبات منة من الله وفضل محض ليس من أنفسنا وهو المعنى المميز للإستقامة كما سبق الإشارة إلى ذلك فب البذرة الأولى .

فحين تنسب الفضل إلى الله يثبتك الله ويزيدك } وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابى لشديد { " ابراهيم 7"
فكلما شكرت كلما أزادك الله تبارك وتعال وأتاك من أفضاله وأياديه فإن الله يحب الشاكرين و يحب الشكر ولا يحب الكفر الذى هو ضده.
·       }إن تكفروا فإن الله غنى عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم {
" الزمر 7"
·       }واشكروا لى ولا تكفرون {"البقرة 152"
·       }إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا {" الإنسان 3"
·       }اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادى الشكور {"سبأ13"
فكلما بذرت فى قلبم بذرة وانبتت من كل زوج بهيج ورسخت شجرة الإيمان فى قلبك فأصبح أصلها ثابت وفرعها فى السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها .. ينبغى :
1.    أن تنسب الفضل لله .
2.    وتستخم النعمة فى الطاعة ولا تفتخر على خلق الله .
3.    وتحدث بنعمة ربك .
    وتدع إلى ذلك غيرك فإن }الدال على الخير كفاعله {. كما قال النبى صلى الله عليه ويلم فيقيك الله شر نفسك و يرفع قدرك و يقيك دنوبك وخطاياك وعقوباتها وشؤمها فإن الذنوب هى الحجاب بينك وبين الله .
فيا ملك الملوك أقل عثــــــــــــــارى   ***    فإنى عنك آتتنى الذنـــــــــوب
وأمرضنى الهوى لهوان نفسى          ***      ولكن ليس غيرك لى طيبب
فشكرك لله تبارك وتعالى على ما أسدى إليك سبب لرحماته وبركاته وعفوه يقول تعالى
}ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما {"النساء 147"
وبذلك تكتمل معانى الإستقامة من إستقامة القلب والجوارح على ما يحبه الله ويرضاه وهنالك إذا أتممت هؤلاء العشر فقد سبقت إلى الله تبراك وتعالى فى رمضان وفى كل حياتك وهكذا تحيى عبدا وتموت عبدا للحى الذى لا يموت ... قال تعالى }قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين قل أغير الله أبغى ربا وهو رب كل شئ ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون {" الأنعام 162-163-164"

وسبحانك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين 







 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Blogger Templates | تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة